من الطلاب من لم يفكر في الخروج إلى السبورة طوال حياته، ولم يخط عليها خطا واحدا، ولم يقترب منها أو وقف بجوارها أنه مسكين وجد نفسه في هذا الصف العجيب فاضطر إلى الجلوس مع الجالسين، وان يلعب مع اللاعبين، ويأكل معهم الى ان يحين وقت انتهائه من هذه الحياة. هذا الصنف يقول أتيت لا اعرف من أين أتيت ولكني أبصرت أمامي طريقا فمشيت، والبعض منهم يقول: ماهي إلا ارحام تدفع وأرض تبلغ ومايهلكنا إلا الدهر، وقد جئنا في هذا الصف بالمصادفة والعشوائية والانتخاب الطبيعي، ومن هذا الصنف من دفع للخروج بجوار السبورة دفعا ولكنه لم يمسك الطبشور، ولم يخط خطا واحدا على سبورة الحياة.
انه ولد كما تولد الحيوانات، ويتمتع ويأكل كما تأكل النعام، ويتكاثر كما تتكاثر الأرانب والجرذان، ويموت كما تموت الاغنام، وهو منسي في حياته منسي في مماتهوأنه كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (إن الله يبغض كل جعظري جواظ، صخاب في الأسواق، جيفة بالليل حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة) رواه ابن حيان في صحيحه.
انه يعيش بلا هدف في الحياة، ولا قضية ولا ايدلوجية، انه كالحمار دائم العمل في النهار وينام كالجيفة من التعب ليلا عاش ومات ولم يكتب شيئا على سبورة الحياة.
ومن الناس صنف أراد أن يفعل شيئا اعطيت له الفرصة الكاملة، وخرج من هذه الحياة رغم مؤهلاته العلمية، ولم يفعل شيئا مفيدا ومميزا له في الحياة، تلك الحياة التي جعلوها للوظيفة اليومية، وتسلم الرواتب، وبم يبدعوا أو يفعلوا شيئا أكثر مما كلفوا به في الحياة.
وهناك صنف من الناس خرج إلى السبورة وكتب عليها، واستمر يكتب ويكتب وتداخلت الكتابات واعوانهم يصفقون لهم واخذهم التعب والحماس فسقطوا في نهاية الحياة، وبعد ذلك وجدنا آثارهم في الحياة مكتوبة على سبورتها، ولكنها أعمال كلها إفساد، وهدم وتخريب، وإشاعة للفاحشة، وهتك للأعراض ومحطات لإذاعة المنكرات ومؤسسات للتخريب وثورات لهدم نظام الحياة، ومقالات ضد دين الله، وافساد في الدين وتخدير للشعوب باسم الدين، ونهب وسلب من أموال العباد.
هؤلاء كتبوا على سبورة الحياة وسودوا سجلاتهم عند الله وقد قال الله تعالى لهم (ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) (الأعراف 85) ولكنهم لغرورهم وكفرهم استمروا في افسادهم فقال الله تعالى عنهم (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)(النور 19).
أما الصنف الآخر من المتعلمين والطلاب في هذا الصف الكبير للحياة، فهو الصنف الذي علم أن الله لم يخلقهم في هذه الحياة عبثا، وانه سبحانه خلق كل مخلوق لغاية مقدرة، وبحكمة بالغة، وانه سيحاسب عباده على لحظة قضاها في صف الحياة وكل عمل عمله فأطاع أمر الله، وقرأ، وتعلم، وابدع، واتقن، وتعرف قدراته الخاصة، ووظفها التوظيف الامثل فخرج إلى سبورة الحياة مرارا وبقوة وبتنظيم وفكر وحلم واناة فبقيت آثاره العلمية، والاجتماعية، والاقتصاديةوالتربوية، والفنية، والصحية والثقافية، والتربوية وقرأتها الأجيال على سبورة الحياة فإنهم صناع الحياة، فكل الحضارة الإنسانية الصالحة، وكل الآثار العلمية والتربوية النافعة، وكل المواقف الإنسانية الرائعة من ابداع هذا الصنف في الحياة.
انهم كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم كإبل المائة لا تكاد تجد فيهم راحلة، وفي قمة هؤلاء (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) اعمالهم مفيدة في الدنيا خالصة لوجه الله مقبولة عند الله.
فيا ترى أخي المسلم من أي صنف انت ؟
من الصنف الذي لم يحاول الخروج أو الكتابة على سبورة الحياة أم من الصنف الذي خط المنكر والفساد والتدمير والمعصية على سبورة الحياة؟!
أم ممن نحتوا بعلم واخلاص على سبورة الحياة؟
وما الدور الذي تعد ابناءك للقيام به في صف الحياة؟ وما نوع الكتابة التي تريد ان يسجلوها إذا كتبوا على سبورة الحياة؟
اتريدهم كالجعظري الجواظ، ام من المفسدين في الحياة، أم من راحلة الابل، الذين آمنوا وعملوا الصالحات في هذه الحياة؟
انها الحياة وانها سبورة الحياة التي يسجل كل منا اعماله عليها في هذه الحياة."
مقالة كتبها الدكتور نظمي خليل أبوالعطا في جريدة أخبار الخليج في العدد..(9996) الجمعة 30 جمادى الآخرة 1426هـ ـ 5 أغسطس 2005م هذه المقالة من أحب المقالات إلى، تمدني بالقوة والامل والطموح في تحقيق أحلامي، وهي ليست مجرد أحلام تعود علي فقط بالنفع وإنما احلام لي ولاصدقائى ولمن حولى أحلام قد تكون لبنة أولى في جدار قد يبني ازدهار وزهو عالمناالذى نصنعه بايدينا، ويسمو به من حاله هذا إلى حال أفضل، أتمنى أن أحققها حتى أتي لوالدي يوم القيامة ـ إن شاء الله ـ وأقول ها انا ثمرتك يا والدي، بكلماتك دفعتني للحلم، وبكلماتك قويت عزيمتي وعزيمة كل من قرأها.. أتمنى من الله هذا.